البتول بيشا
آه ما أجمل لحظة الغروب في شهر رمضان، يخلوالشارع وترى الكل يسرع إلى بيته. كم أحب أن أجلس إلى المائدة التي امتلأت بما لذ وطاب ( بالمناسبة ماما، لماذا تطبخين كل هذا الطعام في يوم واحد ؟ أغلبه لا يؤكل) ولكني أحب هذا الجو العائلي الحميم وخاصة عندما تأتي جدتي أو عمي أو خالتي للإ فطار معنا. يا لها من لحظات لا تنسى !
ولكن... أبي الحبيب أمي الحبيبة : هناك أشياء تزعجني في رمضان، تقلقني، بل تحزنني حتى أكاد معها أنسى جمال هذا الشهر الذي أحببته حتى قبل أن أفهم معانيه وأسراره التي تحدثاني دوما عنها
.
أجل والداي الحبيبان : في غمرة أجواء رمضان وعاداته أشعر أنني أصبحت شيئا ثانويا في دائرة اهتمامكما بعد ما كنت المحور طوال السنة. أنا لا أفهم شيئا ، لقد انقلب نظام البيت رأسا على عقب ولم يعد لي فيه مكان.أنا اعلم جيدا مدى حبكما لي و أنكما لا تدخران وسعكما لإسعادي، ولذلك قررت أن أبثكما شكواي:
1 - لم تعودا تهتما بتغذيتي:
في الصباح قبل أن أذهب للمدرسة أسالك أمي أين وجبة غدائي فتجبينني " ستأخذ معك ما تبقى من عشاء البارحة ". هكذا إذا آكل طعاما بائتا . ماما، أكنت تطبخين فقط من أجلكم أنتم الكبار فلما صمتم لم يعد هناك داعي للطبخ نهارا . بل أحيانا تعطيني أي شيء لأنه لم يتبق اكل من البارحة قائلة: " في وجبة الإفطار ستعوض ما فاتك " . فما فائدة هذا الطعام لجسم غض يبني ذاته.
2 - لا تنتبهان لراحتي :
حين أعود من المدرسة عصرا ، بعد يوم مضن ليس لي الحق في اللعب بحرية ، بل يمنع إحداث أدنى صوت ( " صه " والدك صائم دعه ينام ! ) . أما حين يداعب النوم أجفاني ليلا فلا أكاد أجد له سبيلا لأن الكل ساهر ، وليل رمضان طويل ، ووجبة العشاء تتأخر كثيرا ، ولذلك فأنا مجبر على السهر معكم ، ولا أحد يفكر بي كطفل صغير فرض عليه الكبار نظامهم . ترى ألا يمكنكم أن تحافظوا على أوقات أكلي ونومي ، ولتسهروا ما شاء لكم بعد ذلك .ولكن : لماذا كل هذا السهر الذي ينعكس على الجسم تعبا وكسلا . ألستم من يقول لي دائما : " نم باكرا لتستيقظ باكرا " .
3 - أما الدراسة آه ! :
! في الصباح ، تأتي ماما لتوقظيني بعينين نصف مغمضتين، و بعد جهد جهيد انهض فاذهب بتثاقل إلى المدرسة لأجد الكل منهكا من السهر حتى المعلم يدخل إلى الفصل ليكتب لنا أي شيء على السبورة ، ثم يجلس إلى مكتبه لينام وهو يصرخ فينا : " صمتا ! أنا صائم ومتعب ." وطبعا لا نكاد نفهم شيئا من الدروس في شهر رمضان. ومما يزيد الطين بلة أنك بابا لم تعد تخصص لي وقتا لمراجعة دروسي . فكيف سيكون انعكاس هذا على تحصيلي الدراسي .
أهكذا رمضان ! أذكر جيدا أنك حدثتني بابا عن شهر رمضان وأنه شهر الجد والعمل والجهاد. وقلت لي إن كثيرا من الغزوات كانت فيه وأشهرها غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصارا باهرا . وطبعا كانوا صائمين !
فهل كان رمضان شهر صبر وجهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقط ليصبح اليوم مرادفا للكسل والأكل والشرب والسهر ؟
أنا لا أفهم شيئا ولكني أقول لكما : والداي الحبيبين : " رجاءا أنتما علمتماني حب رمضان ، فلا تجعلا منه بإهمالكما لي شهر معاناة وعذاب ".